اعلان

الصحابي ثابت بن اقرم

كان الحل ولم يكن المشكلة (موقف في الإيجابية والتجرد)

 


في سنة (8 هـ) كانت سرية مؤتة، حيث أمر رسول الله ﷺ المسلمين بالتَّجهُّز للقتال، فاستجابوا للأمر النَّبويِّ، وحشدوا حشوداً لم يحشدوها من قبل؛ إذ بلغ عدد المقاتلين في هذه السَّريَّة ثلاثة الاف مقاتل، واختار النَّبيُّ ﷺ للقيادة ثلاثة أمراء على التَّوالي: زيد بن حارثة، ثمَّ جعفر بن أبي طالب، ثمَّ عبد الله بن رواحة، فعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قُتل زيدٌ؛ فجعفرٌ، وإن قُتل جعفرٌ فعبد الله بن رواحة». [البخاري (4261)].
خرج المسلمون من المدينه لمواجهة الروم في شمال الجزيره، ثلاث آلاف من المسلمين يواجهون مئات الآلاف من الروم، وخلال القتال أستشهد القادة الثلاثة الذين اختارهم النبي ﷺ بالترتيب، وبعد استشهاد الأمير الثالث عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه -، وخوفاً من سقوط راية المسلمين، حيث يعني سقوطها إضطراب الجيش وربما هزيمته، فى هذا الموقف العصيب خرج رجل من  جيش المسلمين وحمل الراية بكل إيجابية ومسئولية ودون تكليف، وجعل من نفسه الحل لا المشكلة.

إنه الصَّحابيُّ الجليل ثابت بنُ أقرم العجلانيُّ – رضي الله عنه -، ورغم أنه نال شرف المشاركة في بدر إلا أنه لم يكن ذا منصب أو شهرة بين الصحابة، ولأنه ينتمي لدينه ودعوته بحق وصدق، فلم يقبل أن تسقط الراية، ورأى أن عليه واجب لابد أن يقوم به، حتى لو كلفه ذلك حياته، نعم رفع راية المسلمين وهو يعرف أن ثمن ذلك حياته أن يلحق رابع لشهداء ثلاثه قبله، لم يقل خطبة عصماء ولم يؤنب إخوانه علي تقصير أو أن القادة لم يحسنوا التدبير، فقط قام ورفع راية المسلمين دون ضجيج، رفعها دون تكليف وحملها دون مشورة، كان الحل ولم يكن المشكله، رفع الراية في صمت وهو يعرف تكاليف ذلك. لأن الذي يتصدر لتحمل المسئولية وقت الخطر وهو يعمل أن هذه المسئولية ثمنها باهظ فهذا دليل تجرد وإخلاص لدعوته. بعكس من ينازع علي الرياسة في وقت الراحة والدعة، فهذا دليل هوي وضعف انتماء. رحم الله الصحابي الجليل ثابت ابن اقرم.

درس في القيادة القدوة المتجردة للدعوة
إنَّه درسٌ عظيمٌ يقدِّمه لنا الصَّحابيُّ الجليل ثابت بنُ أقرم العجلانيُّ، وذلك أداءً منه للواجب؛ وبعد أن حمل ثابت بن الأقرم الراية نادى في المسلمين أن يختاروا لهم قائدًا، وفي زحمة الأحداث قالوا: «أنت». قال: «ما أنا بفاعلٍ»، فاصطلح النَّاس على خالدٍ.
وفي روايةٍ: أنَّ ثابتًا مشى باللِّواء إلى خالدٍ، فقال خالدٌ: «لا اخذه منك، أنت أحقُّ به»، فقال: «والله! ما أخذته إلا لك».

إنَّ مضمون كلتا الرِّوايتين واحدٌ، وهو أنَّ ثابتًا جمع المسلمين أوَّلًا، وأعطى القوس باريها، فأعطى الرَّاية أبا سليمان خالد بن الوليد، ولم يقبل قول المسلمين: أنت أميرنا؛ ذلك: أنَّه يرى فيهم مَنْ هو أكفأ منه لهذا العمل، وحينما يتولَّى العمل مَنْ ليس له بأهلٍ، فإنَّ الفساد متوقَّعٌ، والعمل حينما يكون للهِ تعالى، لا يكون فيه أثرٌ لحبِّ الشُّهرة، أو حظِّ النَّفس.
إنَّ ثابتًا لم يكن عاجزًا عن قيادة المسلمين – وهو ممَّن حضر بدرًا – ولكنَّه رأى من الظُّلم أن يتولَّى عملًا وفي المسلمين من هو أجدر به منه، حتَّى ولو لم يمضِ على إسلامه أكثر من ثلاثة أشهر؛ لأنَّ الغاية هي السَّعي لتنفيذ أوامر الله على الوجه الأحسن، والطريقة المُثْلَى.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات